الخلاصة: المشاعر وقود العمل.

مرة كنت أحاول الإجابة على سؤال “ليش منب قاعد أشتغل على ـــــــــ؟” فتلقائيا مسكت ورقة وقلم وقعدت أعدد الأشياء اللي لازم أسويها. كنت أسوي الحركة هذي كثير أيام الجامعة، يوم كان فيه ديدلاينز كثيرة وكان لازم أرتب أولوياتي كل يوم. بس وأنا أكتب المهمات اللي تنتظرني تذكرت إني سويت هالتمرين هذا 3 مرات خلال اليومين الماضية. فاستوعبت إن المشكلة مو في إني ما أعرف وش أبي أسوي. كان واضح إن فيه مشكلة أعمق تلعب دور.. فقررت أفكر في هذا السؤال من خلال كتابتي لهذه التدوينة.

دائما كنت أعتقد إن مدى منطقية العمل هي الدافع الوحيد اللي أحتاجه علشان أسويه. من منطلق أخلاقي، إذا الواحد عرف الحق وجب عليه اتباعه. بس معرفة الحق شيء، واتباعه شيء آخر، وبين المعرفة والاتباع فراغ ما كنت أعي وجوده. والفراغ اللي يوصل بينهم هو الانفعالات اللي تصير داخلنا واللي نسميها مشاعر، أو الوسط المسؤول عن هذي الانفعالات، خلنسميه “النفس”. اللي كان يعميني عن وجود هذا الرابط هو تمسكي برؤية نفسي كشخص يحكمه “العقل” و”المنطق”، الخ.. وأنفتي من سلطة المشاعر علي 1.

لنفترض أننا عرفنا الحق. بهذه الحالة أي إننا نعرف وش أهدافنا ومؤمنين فيها، ونعرف المهام اللي نحتاج نسويها حتى نصل لهذه الأهداف. هنا يجي دور النفس. الحال المثالية إننا نصل لفهم كامل لأنفسنا، وبهذا أعني إننا نعرف مشاعرنا وكيفية التحكم فيها، لأن هذا بدوره سيساعدنا على تحريكها بالاتجاه الذي نريد. ما يلي أمثلة على مشاعر تؤثر فيني شخصيا: الحماس، الخوف، الاستمتاع، التحدي.

صعب تعريف شعور ما، لكن راح أحاول أجمع ملاحظاتي حول كل من المشاعر اللي ذكرتها سابقا. الحماس عندي، خصوصا في سياق الإنجاز والproductivity، غالبا ما يحدث إذا تخيلت النتائج. تفسيري -غير العلمي بتاتا- هو إن عقلنا ما يميز بين الخيال والواقع كثير.. فتخيل النتائج يُشعره بوقوعها مما يعطينا شعور إيجابي يدفعنا لتحصيل المزيد منه.

أما بالنسبة للخوف، فهذي ظاهرة تتضح عند قرب موعد الاختبارات أو عند موعد تسليم مقال/بحث/مشروع/الخ.. @PHDComics قد تكون الميكانيكية مشابهة للحماس بالأعلى: نتخيل عواقب عدم العمل، فنحاول نتجب التكاسل المؤدي إلى هذه العواقب. الخوف ممتاز لإعطائنا الدفّة (push) اللي نحتاجها -كأنه القير الأول في السيارة- لكن مشكلة لو كان هو ما يحملنا خلال العمل كامل ولم نبدأ بالاستمتاع بالعمل. إذا كان كذلك فربما نحتاج وقفة تأملية في قيمة ما نعمل.

وأحيانًا فعلا نحتاج دَفعة أولية. فيه أشياء كثيرة متأكد راح أكون مستمتع جدًا وأنا أسويها، ومنها الرياضيات، بس أواجه صعوبة بالبدء.. ثنائي الخوف والاستمتاع يمكن استغلاله بطريقة حلوة.

طبعًا مثل ما قلت يختلف دور المشاعر في دفعنا للعمل من فرد إلى آخر. مثلا أنا شخص تنافسي (competitive)، فشعور التحدي يحفزني. ومن مظاهر الصفة هذي إني أجد نفسي بالرياضات فوق المتوسط دائما. لكن التنافسية مو مع الآخرين بس. أحيانًا أحتاج أثبت شيء لنفسي، ربما للشعور بشعور أفضل حيال نفسي، ويكون هذا دافع كبير جدا للعمل.

وطبعًا مثل ما فيه دوافع (المشاعر)، فيه كوابح. منها ما لا يمكن تفاديه مثل حاجات البدن المادية: الجوع، قلة النوم، الإرهاق، الخ.. وشخصيا أضيف إلي هذي القائمة “الأيام الزرقاء” اللي أحس فيها إن ما ودي أسوي شيء وبس ودي أتسدح بالسرير2.. لكن يوجد نوع ثاني من الكوابح نسببه لأنفسنا: الاستغراق في اللهو والترفيه. أترى الطفل إذا أعطيته حلوى قبل الغداء يقول: لا شكرا، أخاف تسد نفسي عن الأكل المفيد بعد شوي؟ نفس الشيء إذا سمحنا لأنفسنا بمشاهدة المسلسلات طوال اليوم، الخروج مع الأصحاب في كل وقت، الخ.. طبعًا ما أقول إننا نقطع هذي تمامًا، لكن نكون واعين بالملهيات ومسيطرين عليها. يقول مارك مانسون إننا يجب أن نكون مختارين للملهيات لا أن تختارنا هي ونعجز عن التوقف عنها. أعتقد أن الملهيات نوعين: نوع مستنزف للطاقة، ونوع شاحن لها. المستنزف للطاقة مثل المسلسلات الرخيصة، طلعات تضييع الوقت، الخ.. أما الشاحن للطاقة مثل فلم فنان، كتاب مسلي، أو محادثات ذات جودة عالية مع أصدقائنا، الخ..

أما الأفضل من هذا كله: الملل. الملل أرض خصبة للعمل الإبداعي.. كما يقول مارك مانسون أيضا: “be bored, not distracted”. أجد نفسي كثيرًا ما أحتاج أن أذكّرها بهذه الحقيقة. خطوات ملموسة أتخذها لإجباري على الدخول في حالة الملل هو إني أؤجل مشاهدة المسلسلات إلى ما قبل النوم (كحل وسط، لأن خيار عدم مشاهدة المسلسلات تمامًا أمر صعب)، وأجعل تقليل فتح الجوال عادة.

مشكلة أواجهها إذا قررت أن أدخل حالة الملل هو إني أبدأ بالتفكير بمشاكل وهمية مثل: الشقة تحتاج ترتيب/تنظيف، الإضاءة غير مناسبة، أحتاج شاهي/قهوة، الخ.. وسرعان ما تتسلسل هذه الأعذار حتى أستنزف طاقتي فأؤجل عمل اليوم إلى الغد.. (هذي pattern ألاحظها: أحتاج قهوة، لازم حلى مع القهوة، ما يمدين أشتغل وأنا آكل، خنفتح يوتيوب ولا نتفلكس..)

ثيم التدوينة مُلهم من تدوينة قرأتها قبل فترة تقترح إننا المفروض نعرف هل حنا ناقصين وقود يدفعنا للعمل، ولا فيه مكابح توقفنا..

ماذا عنكم؟ ماهي الدوافع والكوابح الأكثر تأثيرًا بالنسبة لكم؟

  1. أصل هذه الرؤية موضوع واعد لتدوينة منفصلة. كتوقع أولي لسبب نشوء هالتصور هو تحيز قراءاتي أيام الثانوي وتركيزها على الجانب العقلي مما سبب تضخم هذا الجانب في الذات. كيف يوازن الشخص حِميته القرائية؟ 

  2. مهم عدم إجبار النفس على ما تكره. فالإنضباط مو في الإكراه، لكنه في وضوح الأهداف والرغبة في تحقيقها. حول هذا الموضوع، قرأت تدوينة متميزة قبل فترة مفادها أن الألم ليس وحدة الإنجاز