هل اجتاحت المربعات الخضراء والصفراء تايملاينك بعد؟ إذا كنت ماتعرف سالفتها، فهذي لعبة اسمها Wordle تحاول تستنتج فيها كلمة اليوم في 6 جولات أو أقل. في كل جولة، تتوقع كلمة، ويجيك ردّ عن صحّة كل حرف في كلمتك من عدمها وما إذا كان هذا الحرف بالمكان الصحيح.. المربع الأسود يعني أن الحرف لا يوجد بكلمة اليوم، الأصفر معناها موجود بس بمكان ثاني، والأخضر معناته موجود في مكانه اللي توقعته.

قعدت أفكر بوجه الشبه بين الطريقة العلمية ولعبة Wordle وأنا أقرأ أحد المقالات اليوم: في اثنينهم تحاول تصل إلى معرفة شيء ما، ولعمل هذا تقوم بتجربة، بعدين تحصل على نتائج تقلص مساحة بحثك، وتكرر العملية إلى أن تصل إلى تفسير يتماشى مع تجاربك السابقة..

بعدين استوعبت إن كل فكرة لها قدرة تعبيرية، وهذا يقاس بعدد (وأهمية؟) الأشياء اللي تقدر تعبّر عنها باستخدام الفكرة. الأفكار الرياضية بشكل عام من الأكثر قدرة على التعبير.. إلى درجة أنها أصبحت لغة العلم. وقدرتها التعبيرية غير محصورة على العلم فقط، فحتى وأنا أفكر بفكرة هذه المقالة، أرى وجه الشبه بين “التعبير عن فكرة باستخدام فكرة ثانية” وchange of basis in linear algebra.

ومثال على فكرة مثل هذه هي مبرهنة غودل (اللي تقتضي أنه لأي1 “نظام إثبات”، يوجد دائما نظريات لا يمكن لهذا النظام أن يثبتها). أول ما عرفتها في أول سنة في الجامعة، أصبحت أرى كل شيء بمنظور هذه المبرهنة.. وأصبح سؤال إمكان فعل الشيء –الشبيه بمفهوم إمكانية الإثبات، اللي كان غائب عن علماء الرياضيات قبل غودل حيث كانوا يعتقدون أن أي نظرية رياضية يمكن برهنتها– أول ما يخطر على بالي.

الأفكار ذات القدرة العالية على التعبير، إذًا، تغيّر من طريقة تفكيرنا لأننا نبدأ نرى العالم من خلالها. مثال آخر على فكرة معبّرة هي التطوّر. أي أحد يقرأ عن التطور يصبح يرى هذا النمط في أشياء خارج تطوّر الكائنات الحية.

أفكار مثل هذه تثري حياتنا لأنها تجعلنا ننظر للعالم بطرق عدة.. وهذا يخلينا نفهم العالم بشكل أعمق ويتيح لنا نُبدع أشياء جديدة تقدر بدورها تكون تشبيهات لأشياء أخرى.. السؤال إذًا، كيف نزيد محصولنا من الأفكار المعبّرة؟

أعتقد أن أفضل طريقة هي تضييع الوقت؛ لكن تضييعه بخوض تجارب جديدة ومحاولة تجنّب فخ الاعتياد. السبب في قولي هذا هو أن التخطيط لمثل هذه الأمور يجلب الملل ويستدعي اليأس ولا يساعد على الاستمرارية. بينما الاستكشاف الحرّ اللي بدون هدف يجعلك طويل النَفَس منشرح البال.

وإن كنت ممن يشعرون بالذنب إذا ضيْع وقته، فإن لتضييع الوقت فوائد:

كثير من الأحيان نكتشف أننا طورنا مهارات جديدة بسبب هواية كانت تبدو غير مفيدة. يُذكر أن Claude Shannon، مؤسس مجال الـinformation theory، سمحت له شهرته بعمل أشياء أثناء وقت عمله في Bell Labs لا علاقة لها بمجال عمل AT&T لا من قريب ولا من بعيد.. مثل ركوب الدراجة ذات العجلة الواحدة (unicycle) أو اللعب بفأر الكتروني يحل أي متاهة تعدّها له وغيرها من التصرفات اللي كانت تثير استغراب زملائه. أحد هواياته كانت الشطرنج. فكتب ورقة عام 1949م عن برمجة الكمبيوتر ليلعب الشطرنج! (ليس لك إلا أن تقف وقفة احترام هنا حينما تأخذ بالاعتبار في أي مرحلة كانت تقنية الكمبيوتر وقتها.) أترككم مع هذا الاقتباس عن ردّه في فائدة مثل هذا العمل:

“It is hoped that a satisfactory solution of this problem will act as a wedge in attacking other problems of a similar nature and of greater significance.” If you could get a computer to play chess, in other words, you could conceivably get it to route phone calls, or translate a language, or make strategic decisions in military situations. You could build “machines capable of orchestrating a melody,” he suggested. And you might be able to construct “machines capable of logical deduction.” Such machines could be useful as well as economical, he offered; they could ultimately replace humans in certain automated tasks.

—Gertner, Jon. The Idea Factory (p. 138).

الشاهد هو أن عملية الاستكشاف جزء أساسي من أي عملية إبداعية، والاستكشاف في كثير من الأحيان يبدو كإضاعة وقت، مع أنه ليس كذلك.

شخصيًا، أجد متعة في الأعمال الإبداعية وأجدني أحاول أجعل الإبداع سمة في شخصيتي، وبغض النظر عن التحليل النفسي لهذا، أعتقد أن أحد الأدوات المساعدة على الإبداع هو امتلاك مخزون كبير من الأفكار المعبّرة وهذا يتطلب خوض الكثير من التجارب التي تبدو لأول وهلة مضيعة للوقت (فيه شيء يتفق الأغلب على أنه أكثر إضاعة للوقت من الرياضيات؟ مع ذلك قدرتها التعبيرية مهولة). ما أحاول قوله، أعتقد، هو: ضيّع وقتك.. (صح).

  1. النظام يجب أن يكون معبّر بما فيه الكفاية (expressive) ومتّسق (consistent). للاستزادة، ابحث بقوقل.