علم لا ينفع؟
هذه المقالة مترجمة من المقالة الإنجليزية بعنوان “The Usefulness of Useless Knowledge” ويمكن قراءة نصها الأصلي هنا. كاتبها هو أبراهام فلكسنر الذي شارك في تأسيس معهد الدراسات المتقدمة في برينستون. تم كتابة هذة المقالة عام 1939م.
أليس من المثير للفضول أن الأغلب، في عالمٍ غارق في وحل من الحقد والكراهية، يحاولون النأي بذواتهم عن هذا الهدير الغاضب من الأحداث اليومية ليكرسوا أنفسهم إلى إضفاء جمال، أو تدوين علم، أو علاج مريض، أو رفع بأساء.. متجاهلين وجود الحمقى الذين في ذات اللحظة ينشرون القبح والجهل والألم؟ لطالما كان هذا العالم ذا حال يرثى لها، ولو أعار الفنانون والشعراء هذا البؤسَ أي انتباه لشُلّت ريشهم وجفت أقلامهم، ولكنهم يتغاضون عنه عمدًا. ولو رأينا إلى عملهم، بل لو رأينا إلى الحياة الروحية والفكرية بشكل عام، من منظور عملي وسطحي لوجدناها مجرد هوايات لا طائل منها.. يمارسها أصحابها لنيل لذات لا يجدونها خارجها. في هذه المقالة سأناقش مدى النفع المتحصل من مطاردة هذه اللذات غير العملية.
نسمع مرارًا وتكرارًا أننا نعيش في عصر يجب فيه مواجهة التحديات المادية التي تبرز مع العدد المتزايد من البشر. فالنداءات المبررة لأولئك الذين حرموا من نعيم الدنيا بلا ذنب منهم تؤثر على اختيارات الطلبة لتخصصاتهم فتسحب البساط من العلوم التي عمل بها الأوّلون إلى الدراسات التطبيقية التي تساهم بشكل مباشر في حل الكثير من المشاكل التي يواجهها المجتمع. ولا مشكلة لدي مع هذا التوجه. فما لم نحل هذه المشاكل المتسببة في الكثير من الظلم، سيذهب الملايين إلى قبورهم بصمت، حَزانى وناقمين. ولقد ناديتُ بنفسي إلى زيادة وعي الطلبة بالمشاكل التي تواجه العالم الذي سيقضون بقية عمرهم فيه. ولكني أتساءل الآن ما إذا أصبحت هذه الموجة عارمةً جدا إلى الدرجة التي تُسلب فيها الحياة معناها عن طريق قطع كل تلك الأنشطة التي لا تُسهم بشكل مباشر في حل مشاكل العالم.. تلك الأنشطة الروحية التي تضفي بهجة لحياتنا. بتعبير آخر، أتساءل ما إذا أصبح تصورنا للنفع محدودًا إلى الدرجة التي تُخنق فيها الروح الإنسانية.
أتذكر محادثةً حظيت بها قبل سنوات مع السيد جورج إيستمان حول مسألة النفع. السيدُ إيستمان حكيمٌ ووديعٌ وثاقب النظر، وموهوبٌ فوق هذا كلّه بذائقة موسيقية وفنية عالية. كان يقول لي أنه ينوي تخصيص ثروته الهائلة لدعم التعليم في التخصصات النافعة. فتجرأت على سؤاله عمن يعتبره أكثر الأشخاص نفعا ممن يعملون في المجال العلمي. فأجاب مباشرةً: “ماركوني!” فتفاجأ حين قلت له “إن أي لذة نحصل عليها من الراديو أو أي إضافة أضافها الراديو والأجهزة اللاسلكية إلى حياة البشر، فإن فضل ماركوني يكاد يكون معدومًا فيها.”
لن أنسى ذهوله في تلك المناسبة. طلب مني التوضيح. فأجبته إجابة قريبة مما يلي:
“يا سيدي، الـ ماركونيون محتّمون. الفضل الحقيقي (إن كان بالإمكان نسب الفضل لشخص بعينه) لكل شيء تم إنجازه في مجال الأجهزة اللاسلكية يعود إلى البروفسور كلارك ماكسويل، الذي أجرى في عام 1865م حساباتٍ معقدةً ومنفصلة عن الواقع في مجال الكهرباء والمغناطيسية. ماكسويل نشر معادلاته عام 1873م في أطروحته مقسمة على مجلدين. في اجتماع الاتحاد البريطاني، علق البروفسور هنري سميث من جامعة أوكسفورد “إن أي رياضي قلّب صفحات هذه المجلدات يعي تماما أنها تحتوي على إضافات قيّمة لعلم الرياضيات”. خلال الخمسة عشر عامًا اللاحقة توالت الاكتشافات التي غذت أعمال ماكسويل النظرية حتى حل هاينريش هرتز (عامل في مختبر الفيزيائي هلمهولتز) المسألة العلمية التي مهدت الطريق لـ ماركوني عامي 1887 و1888م. لم يحفل ماكسويل أو هرتز بالنفع المستقى من أعمالهم ولم تخطر الأفكار النفعية في بال أحدهم. المخترع من ناحية قانونية هو طبعًا ماركوني، ولكن ماذا اخترع ماركوني؟ مجرد الشكليات النهائية التي أكل عليها الدهر وشرب متمثلةً بجهاز الاستقبال غير المستعمل في يومنا هذا.
هرتز وماكسويل لم يخترعا أي شيء بل كان عملهم نظريًا و”غير مجدٍ”، العمل الذي استغله تقني بارع لإنشاء وسيلة تواصل وترفيه جديدة والتي أخرجت مشاهير وأغنياء لا تقارَن مواهبهم مع من أسس لهذه الوسائل. من كان مفيدًا حقا؟ ليس ماركوني، بل كلارك ماكسويل وهاينريش هرتز. هرتز وماكسويل كانوا عباقرةً لا ينظرون إلى النفع. ماركوني كان مخترعا ذكيا لا ينظر سوى إلى النفع.
ذكّر اسم هرتز السيدَ إيستمان بالموجات التي تسمى باسمه واقترحت عليه أن يسأل الفيزيائيين في جامعة روشيستر عما فعل ماكسويل وهرتز بالتحديد؛ ولكن الأكيد أنهما اشتغلا في علمهما بلا تفكيرٍ في النتائج المباشرة، وأن معظم الاكتشافات العظيمة في تاريخ العلم كله والتي أدت فيما بعد إلى فوائدَ جمة قادها رجال ونساء لم تدفعهم العوائد المادية بل الرغبة في إشباع فضولهم.
“فضول؟” سأل السيد إيستمان.
“نعم”، وأكملت، “الفضول، الذي قد وقد لا يفضي إلى فائدة، هو بالأحرى ميزة الفكر في العصر الحديث. الفضول ليس شيئا جديدًا. إنه يعود إلى غاليليو وبيكون ونيوتن، ومن الضروري جدًا ألا يُعرقل. يجب على المؤسسات التعليمية أن تصب تركيزها على تنمية الفضول. وكلما قللت هذه المؤسسات من تشتتها بالنتائج المباشرة كلما زاد أثرها لا على جودة الحياة فقط بل إلى ما يساويه أهميةً من إشباع الفضول الفكري، الذي أصبح الشعور المسيطر على الحياة الفكرية في العصر الحديث.
II
ما يصح قوله عن هاينريش هرتز وهو يعمل بهدوء وبلا إثارة للانتباه في زاوية من زوايا مختبر هلمهولتز في أواخر القرن التاسع عشر يمكن قوله عن علماء ورياضيي كل زمان ومكان. لو سُئلنا مثلا عن أعظم اكتشاف وأنفعه لكدنا نتفق أنه الكهرباء. إن عالمنا يكاد يتهاوى بلا كهرباء. ولكن من الذي وضع اللبنات الأساسية التي بُنيت عليها تطورات الكهرباء لمئة سنة لاحقة؟
الإجابة مثيرة للاهتمام. والدُ مايكل فاراداي كان حدادًا؛ مايكل كان يتدرب على يد مجلّد كتب ليتقن الحرفة. في عام 1812م، وعمره واحد وعشرين سنة، أخذه صديقه إلى معهد بريطانيا الملكي وسمع فيها الـ سير همفري ديفي يلقي أربع محاضرات في الكيمياء. سجل مايكل ملاحظاتٍ وأرسل نسخةً منها إلى ديفي. في السنة المقبلة، 1813م، أصبح مساعدًا في مختبر ديفي يعمل على مسائل كيميائية. بعد سنتين صاحَبَه في رحلة إلى عدة دول أوروبية. في عام 1825م، وعمره أربع وثلاثون سنة، أصبح المشرف على مختبر المعهد الملكي حيث قضى الخمس وأربعين سنة المتبقية من حياته.
سرعان ما تحولت بعدها اهتمامات فاراداي من الكيمياء إلى الكهرباء والمغناطيسية، حيث عمل بقية حياته. أعمال مهمة في هذا المجال سبقه بها أورستد، أمبير، وَولاستن تركت الكثير من الأسئلة غير مجابة. أجاب فاراداي عن الكثير من الأسئلة وبحلول 1841م نجح في مهمة الحث الكهرومغناطيسي. بعد ذلك بأربع سنوات وفي محطةٍ لا تقل عبقرية في مسيرته اكتشف تأثير المغناطيسية في الاستقطاب. اكتشافاته المبكرة أدت إلى عدد لا يحصى من التطبيقات التي أتاحت للكهرباء إزاحة الكثير من الأعباء اليومية وخلق فرص جديدة. ولكن اكتشافاته الأخيرة لم تحظ بنفس الشهرة والنتائج الملموسة إلى الآن. هل اكترث فاراداي؟ بتاتا. لم يكن في حياته قط مهتما بما ينتج عن أعماله. لقد كان منغمسا في حلّ ألغاز الكون: الألغاز الكيميائية في بداية حياته، والفيزيائية في آخرها. لم يهتم يوما في أن يجيب عن فائدة ما يعمل بل لم يسأل نفسه ذلك قط. إن أي اهتمام بالنفع كان سيكبح جماح فضوله. في النهاية، عمّت الفائدة، ولكنها لم تكن قط معيارا يقود تجاربه.
من المناسب، في الجو الذي يحيط بنا اليوم، أن نشدد على أن الدور الذي لعبه العلم في جعل الحروب أكثر وحشية وتدميرا كان نتيجةً عَرَضية وغير مقصودة للعمل العلمي. اللورد رايلي، رئيس الجمعية البريطانية للتقدم العلمي، في خطاب حديث أشار بالتفصيل إلى أن حماقة الإنسان، وليست نية العلماء السيئة، هي المسؤولة عن الاستخدامات المدمرة للأسلحة الحديثة. الدراسة البريئة للمركبات العضوية والتي قادت إلى الكثير من النتائج المفيدة، أظهرت أن تفاعل حمض النتريك مع مواد مثل البنزين أو الجلسرين أو السليولوز، الخ.. نتج عنها ليس فقط صناعة الأنيلين المستخدم في الأدوية بل إلى صنع النيتروغليسرين والذي له استخدامات جيدة وسيئة. لاحقًا، ألفرد نوبل، دارسا نفس الموضوع، أظهر أن خلط النيتروغليسرين مع مواد أخرى ينتج عنه متفجرات صلبة يمكن التعامل معها بأمان، أحدها الديناميت. إننا ندين للديناميت تقدمنا في التنقيب وسك سكك الحديد التي تخترق جبال الألب وغيرها؛ وبالتأكيد، تم إساءة استخدام الديناميت من قبل السياسيين والعسكر. كما لا يمكن لوم العلماء على زلزالٍ أو فيضان، لا يمكن لومهم على هكذا اكتشافات. يمكن قول الشيء نفسه عن الغازات السامة. الكلور لم يخصصه العلماء للاستخدامات الحربية. هذه المواد يمكن حد استخدامها إلى ما هو مفيد، ولكن حينما أتقنا صنع الطائرات، أولئك الذين زيغ على قلوبهم لاحظوا أن الطائرة، ذلك الاختراع البريء، والذي نتج عن سلسلة من الدراسات العلمية المستقلة وغير السياسية، يمكن أن تكون أداة تدمير وخراب. الشيء الذي لم يخطط له أحد، ولم يطمح إليه أحد.
عَودًا على بدء، في مجال الرياضيات المتقدمة أمثلة لا تحصى من أشباه ماكسويل وهرتز وفاراداي. خذ مثلا مخترع الهندسة اللاإقليدية التي كانت أكثرَ أعمال القرن الثامن عشر والتاسع عشر صعوبة على الفهم وبعدًا عن الواقع. غاوس، مع حظوته لدى معاصريه، لم يجرؤ على نشر هذا العمل لربع قرن. ولكن الحقيقة هي أن النظرية النسبية بعظمتها وبكل فوائدها الملموسة كانت من سابع المستحيلات بدون عمل غاوس الذي أنجزه في غوتينغن.
مثال آخر: ما يعرف الآن بنظرية الزمر كان علمًا رياضيا مجردًا وغير قابل للتطبيق. صنعه أناس فضوليون قادهم فضولهم وشغفهم إلى مناطق غرائبية. ولكن نظرية الزمر اليوم تعد أساس علم المطيافية الكمّي والذي يستخدم تطبيقاتِه أناسٌ كل يوم بلا أدنى فكرة عن فضل نظرية الزمر فيه.
نظرية الاحتمالات، أيضًا، تم اكتشافها من قبل رياضيايين كان هدفهم الأصلي وضع أسس منطقية للقمار. فشلوا في تحقيق مرادهم، ولكنها أصبحت أساسًا علميا لجميعِ أنواع التأمين، والكثيرُ من فيزياء القرن التاسع عشر مبني عليها.
من عدد أخير من مجلة Science أقتبس:
“مكانة البروفسور ألبرت آينشتاين وصلت إلى قمة جديدة حين ثبت أنه وقبل خمسة عشر عاما طور تقنيات رياضية ساعدت اليوم على حل غموض ميوعة الهيليوم عند الصفر المطلق. نسب البروفسور فـ. لندن إلى آينشتاين مفهوم الغاز المثالي والذي نشره في عامي 1924م و 1925م.
“تقارير آينشتاين عام 1925 لم تكن حول النظرية النسبية، ولكنها ناقشت مشاكل لم لها أي أهمية عملية ظاهرة حينها. وصفت أعماله السلوك الغريب للغاز “المثالي” بالقرب من الحد الأدنى لمقاييس الحرارة. لم يعر العلماء أي انتباه لأعمال آينشتاين قبل خمس عشرة سنة لأن كل الغازات المعروفة كانت تتكثف إلى سوائل قرب درجات الحرارة هذه.
“مؤخرا، اكتشاف سلوك الهيليوم السائل سلط ضوءًا على مفهوم آينشتاين المنسي وأكسبه تطبيقا وفائدة عملية لم تُرَ قبل. معظم السوائل عند تبريدها تزيد لزوجتها وتصبح صعبة الجريان. المقولة المشهور “أبطأ من دبس في يناير” هو مفهوم الشخص العامّي والصحيح عن اللزوجة.
“ولكن الهيليوم السائل استثناء محير. في درجات حرارة ما يعرف بـ “الدلتا”، 2.19 درجة فقط فوق الصفر المطلق، يصبح سيلانه أفضل من سيلانه في درجات حرارة أعلى، على عكس المتوقع، وإضافة إلى ذلك، فإنه يصبح أشبه بالغمام كما لو كان غازًا. وما يزيد المرء حيرةً هو قدرة الهيليوم السائل على توصيل الحرارة في درجة الدلتا حيث يصبح أفضل من توصيل النحاس عند درجة حرارة الغرفة 500 مرة. لقد شكل الهيليوم السائل مع هذه الظواهر الغريبة لغزا عويصًا للفيزيائيين والكيميائيين.
“وضح البروفيسور لندن أن أفضل تفسير لهذه الظاهرة هو التعامل مع الهيليوم السائل كغاز بوز-آينشتاين المثالي عبر استخدام الرياضيات التي أنشأها آينشتاين عامي 1924م و1925م. بهذا الربط البسيط أمكن تفسير ميعان الهيليوم السائل جزئيًا بتصوره شبيها بتحرك الإلكترونات في المعادن الذي يفسر التوصيل الكهربي.”
وعلى صعيد آخر، في مجال الطب والصحة العامة سيطر علم البكتيريا على الساحة خلال نصف القرن المنصرم. فما قصته؟ بعد الحرب الفرنسية البروسية عام 1870م، أنشأت الحكومة الألمانية جامعة ستراسبورغ. أول بروفيسور في علم التشريح فيها كان فلهلم فون فالداير، والذي أصبح لاحقا بروفيسورا في برلين. في مذكراته يسترجع من ضمن الطلاب الذين لحقوا به إلى ستراسبورغ شابا ذا سبعة عشر عاما ضئيل الجسم منطو على ذاته ولا يلفت الانتباه، يسمى بول إرليش. منهج التشريح المتبع آنذاك يتضمن عدة مقررات. إرليش لم يعر اهتماما لهذه المقررات، ولكن، كما قال فالداير في مذكراته:
“لاحظت مبكرا أن إرليش يعمل لساعات طوال على مكتبه، مغرقا وجهه في مجهره. وكان مكتبه يمتلئ تدريجيا ببقع من ألوان مختلفة. رأيته مرة جالسًا على مكتبه، فذهبت إليه وسألته عما يعمل في كل تلك الألوان على طاولته. حينها، هذا الطالب في فصله الدراسي الأول والذي من المفترض أن يتبع المنهج المقترح، نظر إلي نظرة باردة وقال: “Ich probiere” والذي يمكن ترجمته على نحو غير دقيق في ذاك السياق إلى “أجرب” أو “أعبث”. فرددت عليه أن “حسنا، أكمل عبثك إذًا”. بعدها رأيت أنني وبلا أي توجيه مني بتاتا امتلكت في إرليش طالبا ذا طابع مميز.”
فالدايار تركه بحكمة لوحدة. إرليش سلك المنهج الطبي بطريقته غير المنهجية وحصل أخيرًا على درجته الطبية لأنه كان واضحًا لمعلميه أنه لا نية له في ممارسة الطب البشري أو حتى في أي استخدام عملي آخر. ذهب بعد ذلك إلى فروتسواف في بولندا وعمل تحت إشراف البروفسور كوهنهايم، معلم الدكتور العزيز ولتش، مؤسس ومبتكر مدرسة جونز هوبكنز الطبية. لا أعتقد أن النفع خطر ببال إرليش. كان مهتما. كان فضوليا، وبقي عابثا. بالطبع، كان يقود عبثَه بوصلةٌ فطرية لا تخطئ، ولكن دافعه كان علميا وليس عمليا. ماذا نتج عن ذلك؟ عندما أسس كوخ وزملاؤه علما جديدًا، علم البكتيريا، أثبتت تجارب إرليش أهميتها حيث طبقها طالب آخر يدعى فايغرت في تلوين البكتيريا، والذي يساعد على التفريق بين مختلف أنواعها. إرليش بنفسه هو الذي طور تلوين المسحة الدموية بالأصباغ التي نعتمد عليها اليوم في التفريق بين كريات الدم البيضاء والحمراء. لا يمر يوم بلا أن تستفيد آلاف المستشفيات اليوم من توظيف تقنية إرليش في دراسة عينات الدم. وهكذا، أصبح العبث الذي جرى في غرفة تشريح الدكتور فالداير في ستراسبورغ شيئا أساسيا ويوميا في ممارسة الطب.
سأعطي مثالا في عالم الصناعة، مثالا مختارا عشوائيا. البروفسور بيرل، في معهد كارنيجي التقني (بيتسبرغ) 1 كتب:
“مؤسس صنعة نسيج الرايون أو الحرير الصناعي هو الكونت الفرنسي شاردوني. معروف أنه استخدم محلول نترات القطن في إيثر الكحول وأنه ضغط هذا المحلول اللزج عبر شعيرات دقيقة إلى ماء والذي يساهم في تجليط خيوط من نترات السيليلوز. بعدها تمرر هذه الخيوط عبر الهواء وتلف حول بكرات الخيوط. يوما ما فحص شاردوني مصنعه في بيزنسون، فرنسا. بالصدفة، الماء المستخدم في هذه العملية توقف فوجد العمال أن العملية تسير بشكل أفضل بدون الماء. كانت هذه هي شرارة بداية عملية اللف الناشفة التي ساهمت بشكل أساسي في انتشار هذه العملية على نطاق واسع.
III
لا أدّعي ولو للحظة واحدة أن كل ما يجري في المختبرات من تجارب سيصبح يومًا ذا فائدة ملموسة بشكل غير متوقع، ولا أن ما ينتهي بها المطاف إلى فائدة ملموسة هي التبرير الأساسي لعمل كل هذه التجارب. ولكني أدعو إلى القضاء على كلمة “الفائدة” وإلى تحرير الروح الإنسانية. بالتأكيد، سيكون هناك نصابون يربحون من هذا. بالتأكيد، سنصرف بعض الدولارات الثمينة بلا طائل. ولكن الأهم من هذا، هو أننا سنحطم تلك الأقياد عن العقل البشري، ونجعله حرا طليقا يجري وراء تلك المغامرات التي في يومنا هذا أخذن هيل ورذرفورد وآينشتاين وأقرانهم من جهةٍ إلى ملايين ملايين الأميال إلى أقصى الكون، ومن جهةٍ أخرى أطلقن الطاقة غير المحدودة المحبوسة داخل الذرّة. ما فعله رذرفورد وآخرون مثل نيلز بور وميليكان بدافع الفضول في محاولة لفهم بنية الذرة أطلق سراح قوى قد تحول الحياة البشرية تحويلا جذريا. ولكن هذه النتيجة النافعة وغير المتوقعة ليست، ولا يجب أن تكون، مبررا لما يفعله رذرفورد ولا آينشتاين ولا ميليكان ولا بور أو أقرانهم. دعوهم وشأنهم. لا ولن يوجد إدارة تعليمية يمكنها أن توجّه طاقات هؤلاء الرجال. التبديد، أعترف مرة أخرى، يبدو هائلا. ولكنه في الحقيقة ليس كذلك. لو جُمع كل ما “بُدّد” على تطوير علم البكتيريا وما ولا يعد شيئا مقارنة بالمنافع التي جنيناها من اكتشافات باستور، كوخ، إرليش، ثيوبالد، سميث، وعديدين غيرهم—منافع لم نكن لنجنيها لو كان هاجس النفع مسيطرا على عقولهم. هؤلاء الفنانون—فالعلماء في أصلهم فنانون—نشروا في مختبراتهم جو الفضول وشجعوا عليه.
لست أنتقد مؤسسات مثل الجامعات الهندسية والقانونية والتي يسيطر عليها بالضرورة هاجس النفع. في أحيان ليست بالقليلة تنقلب الحال، فالمصاعب العملية التي يواجهها السوق تحرك دراسات نظرية قد وقد لا تحل تلك المصاعب، ولكنها تفتّق آفاقا جديدة، بلا فائدة لحظتها ولكن حبلى بالإنجازات العملية والنظرية.
مع التراكم السريع للعلم الذي “لا ينفع” أو المعرفة النظرية يصبح من الممكن تدريجيا مجابهة مشاكل عملية بروح علمية. ليس المخترعون فقط، بل حتى العلماء في “العلوم البحتة” يرفهون عن أنفسهم في هذه الرياضة بين الحين والآخر. ذكرت آنفا من ضمن المخترعين ماركوني الذي، مع إحسانه العظيم للبشرية، كان يتطفل على عقول علماء آخرين. أديسون ينتمي لنفس الفصيلة. ولكن باستور كان مختلفا. كان عالما فذا، ولكنه لم يخجل من مواجهة المشاكل العملية، كتهالك كرمات العنب الفرنسية أو مشاكل تخمير الجعّة، ولكنه لا يكتفي بحل المشاكل المباشرة فقط بل يستنتج من هذه المشاكل المباشرة نتائج نظرية صعبة الوصول، “عديمةَ نفعٍ” حينها، ولكنها في غالب الأحيان وبطريقة غير متوقعة تثبت نفعها. إرليش ذو الطابع التأملي في فضوله، توجه بحماس لمرض الزهري وهاجمه بشكل شرس حتى اكتشف الأرسفينامين الذي عالج المرض. كذلك كان حالُ فردرك بانتينغ حين اكتشاف استخدام الأنسولين في مرض السكر، ومينو وويبل في استخدام مستخلص الكبد في فقر الدم الخبيث.. كلهم في نفس الفصيلة: علماء ورجال علم استوعبوا أن الكثير من العلوم “غير المفيدة” قد تراكمت عبر أجيال من العلماء الذين قادهم فضولهم وأن الأوان قد حان لجني الثمار.
ومما سبق يتضح وجوب الحذر عند نسب فضل أي اكتشاف علمي لشخص واحد. كل اكتشاف تقريبا له تاريخ طويل ومعقد. أحدهم يجد قطعة هنا، وآخر هناك، وثالث ورابع، هكذا.. حتى يأتي عبقري فيجمع كل تلك القطع ويصنع المساهمة الفارقة. العلم كنهر المسيسيبي، يبدأ بجدول صغير في غابة بعيدة. وشيئا فشيئا يتجمع عدد كبير من الجداول حتى تسهم في ذلك النهر الهادر الذي يحطم السدود.
لا أستطيع الاستفاضة في المعنى التالي هنا، ولكن اسمحوا لي بتلميح سريع. حين ننظر إلى إسهامات الجامعات التي تتخذ من العلوم العملية أساسا لها على مدى مئة أو مئتي سنة فإن الإسهام الرئيسي، على أغلب الظن، لن يكون في تدريب الطلاب وتجهيزهم لسوق العمل بل أنه وبالرغم من أن نتائج مادية وملموسة كانت الهدف، كان يقام على الهامش عددٌ كبير من الأنشطة “غير المفيدة”، ومن رحم تلك الفعاليات غير المفيدة تولد جهود تغذي العقل والروح البشريين وتفوق أهميةُ هذه الجهود ما بُنيت الجامعة لتحقيقه من أهداف عملية مباشرة.
هذا المنحى الذي أشرت إليه يشدد، إن كان يحتاج مزيدَ تشديد، على أهمية الحرية الروحية والعقلية. تكلمت عن العلوم التجريبية وتكلمت عن الرياضيات.. ولكن ما أقوله ينطبق أيضا على الموسيقى، والفن، وكل تعبير عن الروح البشرية الطليقة. حقيقة أن تلك الأشياء تحقق الرضا لروح شخص يحاول تطهير نفسه والسمو بها هو كل التبرير التي تحتاجه. وبتبرير هذه العلوم الروحية بلا أي إشارة ضمنية كانت أو صريحة للنفع نبرر الكليات، والجامعات، والمؤسسات البحثية. إن أي مؤسسة تطلق العنان لأجيال من الأرواح البشرية تملك التبرير الكافي لوجودها سواء كان خريجوها قد أضافوا ما يسمى “علما نافعا” للمعرفة البشرية أو لم يفعلوا. إن أي قصيدة، أو سيمفونية، أو رسمة، أو حقيقة رياضية، أو حقيقة علمية، تحمل في داخلها كل التبرير الذي تحتاجه الجامعات والكليات والمعاهد البحثية لتُموّل وتبنى.
الحديث حول هذا الموضوع يثير فيّ الشجن، خصوصا في هذا الزمن. في أماكن كبيرة (ألمانيا وإيطاليا تحديدا) تبذل جهود لتكبيل حرية الروح البشرية. الجامعات أعيد تنظيمها ليصبحن أدوات في أيدي أولئك الذين يؤمنون بفوقية طائفة سياسية أو اقتصادية أو عرقية. وكما لو كان هذا غير كاف، فحتى في الديمقراطيات القلة الباقية يظهر لنا بين الحين والآخر شخصٌ فارغ يشكك في أصل قيمة الحرية الأكاديمية. العدو الحقيقي للبشرية ليس المتهورون من المفكرين الأحرار والشجعان، سواء أخطؤوا أم أصابوا. العدو الحقيقي هو من يحاول ترويض الروح البشرية لإخافتها من مد أجنحتها، كما مدت أجنحتها من قبل في إيطاليا وألمانيا.. وأيضا في بريطانيا والولايات المتحدة.
إن فكرة الحرية الأكاديمية ليست فكرة جديدة. هذه الفكرة ذاتها هي التي حركت فون هومبولدت لإنشاء جامعة برلين ساعة اجتياح نابوليون لألمانيا. وذات الفكرة هي التي حركت قيلمان لتأسيس جامعة جونز هوبكنز، الجامعة التي من بعدها أصبحت كل جامعة في هذه الدولة تحاول اللحاق بها. إن الحرية الأكاديمية هي الفكرة التي يسعى لتحقيقها كل فرد يحترم روحه التي ستخلد بعد مماته مهما كانت العواقب لشخصه الفاني. إن الدفاع عن حرية تحليق الروح الإنسانية يذهب إلى ما هو أبعد من إبداع علوم أو فنون جديدة، لأن اللاحقة تتطلب قبل ذلك التسامح مع طيف متنوع من الاختلافات بين البشر. في تاريخ البشرية كلها، هل يوجد ما هو أسخف أو أتفه من حب أو كره مبني على عرق أو دين؟ هل الإنسانية تريد سيمفونيات ولوحات وحقائق علمية عميقة لكي تعبر عن الغنى اللامحدود للروح الإنسانية أم أنها تريد سيمفونيات نصرانية، ولوحات نصرانية، وحقائق علمية نصرانية؟ أم أنها تريد سيمفونيات ولوحات وعلوم يهودية أو إسلامية أو مصرية أو يابانية أو صينية أو أمريكية أو ألمانية أو روسية أو شيوعية أو محافظة؟
IV
أحد أوضح العواقب للعنصرية ضد الأجنبي في إيطاليا وألمانيا أود ذكر مثالٍ لا خلاف عليه في اعتقادي وهو التطور السريع لمعهد الدراسات المتقدمة الذي أسسه السيد لويس بامبرجر وأخته السيدة فيلكس فولد في برينستون، نيو جيرسي. تأسيس المعهد اقتُرح عام 1930م. تموضع في برينستون جزئيا لتعلق مؤسسيه بولاية نيوجيرسي، ولكن السبب الرئيسي في رأيي هو أن برينستون تحتوي على برنامج دراسات عليا ذي جودة عالية يسمح بالتعاون الخلاق. المعهد يدين لجامعة برينستون بدين لا يمكن وفاؤه أبدا. العمل في المعهد بدأ عام 1933م. من ضمن هيئة التدريس أكاديميون أمريكيون مرموقون: فيبلين، ألكساندر، ومورس من الرياضيين.. ميريت، لو، والآنسة غولدمان من المشتغلين بالإنسانيات.. ستيوارت، ريفلر، واررين، أيرل، وميتراني من الاقتصاديين. وإلى هؤلاء يضاف أكاديميون وعلماء بنفس الطراز الرفيع كانوا في الجامعة قبل ذلك ومكتبة الجامعة ومختبراتها أيضا. ولكن المعهد مدين لهتلر بآينشتاين، وفايل، وفون نويمان في الرياضيات.. وبهرزفيلد وبانوفسكي في العلوم الإنسانية وإلى كوكبة من الطلبة الواعدين الذين خلال الست سنوات الماضية تجمعوا تحت راية هذه الثلة اللامعة من العلماء وبدؤوا بالإضافة إلى سمعة العِلم الأمريكي في كل بقعة من الأرض.
المعهد، من ناحية تنظيمية، هو أقل الأشياء رسميةً وأكثرها بساطة. يحتوي على ثلاث مدارس: مدرسة الرياضيات، مدرسة العلوم الإنسانية، ومدرسة الاقتصاد والسياسة. كل مدرسة تتكون من هيئة دائمة من البروفسورات ومجموعة متغيرة سنويا من الأعضاء. كل مدرسة مستقلة بذاتها وتدير أمورها كما تشاء. وضمن كل مجموعة في كل مدرسة، كل عضو حرٌّ في وقته وطاقته يصرفهما كيفما يشاء. الأعضاء، الآتين حتى الآن من 22 دولة مختلفة ومن 39 مركزا للتعليم العالي في أمريكا، يُقبَلون حسب قرار المجموعات المختلفة في المعهد إذا اعتقدوا أنهم أهل لذلك ويتمتعون تماما بنفس مميزات البروفسورات الدائمين. يستطيعون التعاون مع هذا البروفسور أو ذاك كما يحدث مرارا. يستطيعون العمل بمفردهم أيضا، أو الاكتفاء باستشارة أي أحد يعتقدون أنه يستطيع المساعدة. لا روتين متّبع. لا خطوط تفصل بين الهيئة الدائمة أو الأعضاء المتغيرين أو الزوار. طلاب برينستون وبروفسوراتها يندمجون مع أعضاء وبروفسورات المعهد حتى يكاد المرء لا يستطيع التمييز بينهم. وهكذا تنمو المعرفة. أما النتائج المضافة للفرد أو المجتمع فيتدبرن أمر نفسهن. لا يوجد اجتماع لأعضاء هيئة التدريس، ولا لجان. وهكذا، يجد صاحب الأفكار متعة في التأمل والمناقشة. الرياضي يطور رياضياته بلا مشتتات. وكذلك يفعل المشتغل في العلوم الإنسانية أو الاقتصادية أو السياسية. الأمور الإدارية تم تقليلها شأنا وكمًّا. أما من لا يملك أفكارا، أو من لا يستطيع التركيز على الأفكار، فيشعر بأن المعهد مكان غير مناسب له.
ربما أستطيع إيضاح هذه النقطة أكثر بذكر بعض الأمثلة سريعا. تم رصد مكافأة لبروفيسور من هارفارد ليأتي إلى برينستون، فكتب يسأل: “ما مهامي؟” فأجبته: “لا مهام، يوجد فرص هنا فقط”.
آخر، رياضي شاب، بعد أن قضى سنة في برينستون أتى ليودعني. فقال وهو خارج:
“ربما تريد معرفة رأيي في هذه السنة التي قضيتها؟”
فأجبته “نعم”.
فقال لي: “إن الرياضيات تتطور بسرعة هائلة، والبحوث الموجودة متوسعة ومتبحرة، وقد مضت 10 سنوات منذ حصولي على درجة الدكتوراه. إلى مدة معينة، كنت أستطيع البقاء على اطلاع على تخصصي الدقيق، ولكن مؤخرا، حتى الأخير أصبح متشعبا جدا. بعد سنة هنا، تبددت الظلمة وأُنير الطريق. لدي فكرتان لبحثين أنوي كتابتهما قريبا.”
فسألته: “إلى متى تعتقد أنك ستستطيع الإحاطة بما يستجد في مجالك؟”
أجاب: “خمس سنوات، ربما عشرة.”
“وماذا ستفعل بعدها؟”
“سأعود هنا مرة أخرى.”
موقف ثالث، حدث مؤخرا، حيث أتى بروفسور من جامعة غربية كبيرة في ديسمبر الماضي. كان يريد إكمال مشروع مع الدكتور (موري). موري اقترح أن يعمل مع بانوفسكي وسوارنزسكي في المعهد. الآن هو يعمل مع الثلاثة جميعهم.
“سأبقى إلى أكتوبر القادم” قال لي.
“ستجد أن مدينتنا حارة في الصيف،” قلت له.
“سأكون مشغولا وسعيدا جدا لدرجة عدم ملاحظة درجة الحرارة.”
وهكذا يتضح أن خطر الحرية ليس التقاعس، بل الإجهاد. سألتني زوجة أحد الأعضاء مؤخرا:
“هل الجميع هنا يعمل حتى الثانية صباحا؟”
المعهد حتى الآن لا يملك أي مبانٍ. الرياضيون ضيوف في مبنى زملائهم الرياضيين في الجامعة. بعض علماء الإنسانيات في قاعة مككورميك والبقية متفرقون في أنحاء المدينة. الاقتصاديون يعملون في جناح في أحد الفنادق. ومكتبي يقع في مبنى على شارع ناساو، حيث أعمل بين الباعة والأطباء، والمحامين، وبعض المجموعات البحثية من برينستون الذي يجرون استبيانات حكومية وتعدادا للسكان. الطوب والإسمنت ليسوا أساسيين إذا، كما أثبت الرئيس جيلمان في بالتيمور قبل ستين سنة مضت. مع ذلك، نفتقد لذة الدردشات الجانبية التي كان سيتيحها لنا مبنى خاص. وسنعمل على تصحيح هذا ببناء مبنى تبرع به المؤسسون وسيسمى باسم السيدة فولد. ولكن الرسميات ستقف هنا. المعهد يجب أن يبقى صغيرا، وسيصر على أن هدف المجموعة في المعهد هو الاسترخاء، والأمان المادي، والحرية من القيود المؤسساتية والحرية من الروتين، والتواصل الأريحي مع الباحثين الآخرين الذين نغريهم أحيانًا ليأتوا من أماكن بعيدة. من هؤلاء نيلز بور الذي أتى من كوبنهاجن، فون لاو من برلين، ليفي سيفيتا من روما، أندريه ويل من ستراسبورغ، ديراك وهاردي من كامبردج، بولي من زيورخ، لومتر من لوفاين، ويد-جيري من أوكسفورد وأمريكيين من هارفارد، ييل، كولومبيا، كورنيل، جونز هوبكنز، شيكاغو، كاليفورنيا، ومنارات علم أخرى عديدة.
لا نعد أنفسنا بشيء، ولكننا نمني أنفسنا بأن الحرية المطلقة في ملاحقة العلوم التي لا تنفع سيكون لها آثار في المستقبل مثلما كان لها آثار في الماضي. ولكننا مع ذلك لا ندافع عن وجود المعهد على هذا الأساس. إن المعهد قائم كجنة للباحثين الذين، كالشعراء والموسيقيين، كسبوا الحق في التصرف كيفما يشاؤون، والذين يحققون أقصى إمكانياتهم حينما تتاح لهم الفرصة لفعل ذلك.
-
الجامعة المعروفة الآن بـ Carnegie Mellon University ↩