الحوار يحدث على عدة مستويات: حوار مع الذات، ومع الآخرين، وحوار مجتمعي، وحوار تاريخي.

الحوار مع الذات جيد لمعرفة النفس ودوافعها. لكنه لا يكشف لك إلا ما تعرف مسبقًا وغفلت عنه. أما الحوار مع الآخرين فيوسع إدراكنا لأن مع كل “أخذ وَرَدّ” تُفتَح الفرصة لمعلومة جديدة توسّع من فضاء المحادثة إلى أماكن لا نستطيع الوصول لها وحدنا. والحوار مع الآخرين أيضا فرصة للتحقق من صحة معتقداتنا حينما نعرضها على شخص آخر. فرصة تقويم لاعوجاج مفاهيمنا لا تحدث مع الحوار الداخلي. أما المحادثات المجتمعية هي ما يهم المجتمع من أمره، وتحسّن من أموره المعيشية.. وقد تكلمت عن هذا الموضوع في تدوينة سابقة. والمحادثات التاريخية تحدث في بطون الكتب، وما البحث العلمي إلا شكل من أشكال هذه المحادثات. والقراءة والكتابة هي شكل من أشكال المشاركة في هذه المحادثة التاريخية يماثلان في وظيفتيهما الاستماع والحديث.

وفي كل مستوى من مستويات الحوار يوجد نوعان: محادثات بنّاءة ومحادثات “هذّابة”. فالمحادثات البنّاءة هي التي لا يتبنّى أطرافها آراء مسبقة عن الموضوع، ويحاولون اكتشاف فضاء الموضوع معًا بروح تعاونية. والمحادثات الهذّابة هي التي يلعب فيها طرف دور الدفاع عن فكرة والآخر دور الناقد. ووظيفتها هي تهذيب الأفكار الناتجة من المحادثات البنّاءة. وكلا النوعين صحّي ومطلوب.

وفي كل مستوى ونوع، يكون الفضول والنية السليمة هما أساس كل حوار. ولكن يبقى السؤال، ما هي الأسرار الخاصة بكل مستوى ونوع التي تتيح لنا أن نرتقي بمحادثاتنا لأقصى مداها؟