أذكر تلك اللحظة تحديدًا، كنت أمشي على ضفاف نهر مدينة █████ حين راودتني فكرة تقلّب بوصلتي الفكرية خلال سنواتي المعدودة: بدءًا من الطاعة، مرورًا بالتقليد، وصولًا إلى الحيرة. كان واضح لي وقتها أن ما يحدد توجه البوصلة هو القيم، ومع تغير القيم يبدأ الاضطراب بعقرب البوصلة. من حينها والإحاطة بموضوع القيم يبدو مهمة شبه مستحيلة.. أولا لضخامته (شايف البحر شو كبير؟) فمن أين أبدأ؟ ثانيًا لميتافيزيقيته وانفصاله عن الواقع الملموس.. فكيف من المفترض أن أبدأ؟ لكن بعد كتابتي للتدوينة السابقة، تشجعت قليلًا على خوض غمار هذا البحر الميتافيزيقي، لرمي مرساة تثبّتني وأنطلق منها.

القيم تجيب على سؤال: “كيف أعيش يومي؟”. هذا لأن القيم هي ما يحدد قراراتنا اللي نتخذها كل يوم، وبذلك تكون هي ما يشكل حياتنا. فمعرفة المزيد حول فكرة القيم قد يكون له تأثيرات عميقة على مستوى الحياة 1.

علشان ما يكون الموضوع مجرد، وتزيد احتمالية ضياعي في هذا البحر، راح آخذ مثال حيّ على قيمة أؤمن بها: الإبداع— خلق وإيجاد عمل ذو أثر. من خلال التأمل بهذي القيمة، يبدو لي أنها جزء من هويتي، جزء مما يجعلني أنا. بعض الأسئلة اللي تطرح نفسها علي:

  1. إلى أي مدى تمتد العلاقة بين القيم والهوية؟ هل يمكن التخلى عن قيمة؟
  2. كيف توصلت لهذه القيمة؟ أحد الاحتمالات هو إني جربت أسوي شيء في يوم من الأيام وأحببت الشعور اللي يبعثه هذا فيني. لكن هالجواب لا يبرر تحمّل بعض الناس مشاعر مؤذية لأجل قيمهم. إدًا ما علاقة التجارب اللي نمر فيها في تشكيل قيمنا؟ هل هي المرحلة الأولى فقط لتشكل القيمة؟ ثم تأخذ معنى2 أكبر نرفض المساس به لاحقًا؟
  3. إذا أمكن تشكيل القيم على هوانا (بالقدرة على التخلي عن قيم، وتشكيل قيم جديدة)، وشي القيم التي تستحق التبني؟

في الختام، يبدو لي أن وضوح القيم يجعل اتخاذ القرارات اليومية من أبسطها (مشاهدة نتفلكس ولا لعب بلايستيشن؟) إلى أعقدها أسهل.. لذلك لهذا الموضوع أهمية خاصة عندي. هذا طبعًا لا يعني الشلل عن العمل حتى تتضح القيم.. بالعكس، يوجد احتمالية أن القيم تتشكل عبر العمل.

  1. واحتمال يكون ما له أي تأثير يذكر، وتكون معرفة كيفية عمل القيم زي الجهل بها… لكن هذي دائما مخاطرة نأخذها عند التفكير بأي موضوع. 

  2. “المعنى” كلمة كبيرة بحجم “القيم” ربما تحتاج تدوينة منفصلة لمعرفة الأسئلة اللي أحتاج أعرفها حول هذا المفهوم.